البيئة والطقس

هل تشعر أن الزمن صار يمر بسرعة البرق؟ إليك الأسباب العلمية وراء ذلك

في الآونة الأخيرة، أصبحنا نشعر وكأن اليوم أقصر من أن ننجز فيه مهامنا الأساسية. الوقت يمر بسرعة دون أن نلحظ، والأمر يبدو وكأن مفهوم الزمن ذاته قد تغير. في الحقيقة، لست متوهمًا. الدراسات العلمية الحديثة تثبت أن نظرتنا للزمن قد تتغير في الفترة المقبلة خاصةً مع دوران الأرض بسرعة غير معتادة؛ إذ شهد عام 2020 أقصر 28 يومًا منذ عام 1960.

لا يتوقف الأمر على التغيرات الفلكية فقط، بل يشمل ذلك تغير إدراكنا للوقت نفسه في عصر التكنولوجيا والعولمة والذكاء الاصطناعي، فما الذي تعرفه عن «زمن» القرن الحادي والعشرين الذي يمر بسرعة البرق؟ وكيف فسر العلماء تلك الظاهرة؟

اختلاف سرعة الأرض لها دور في ذلك

في منتصف عام 2020، حطم كوكب الأرض رقمًا قياسيًّا جديدًا؛ إذ أصبح يدور أكثر من المعتاد؛ مما نتج عنه 28 يومًا هم الأقصر منذ عام 1960. فعندما جرى تطوير ساعات ذرية عالية الدقة في الستينيات، وهي أجهزة لقياس الزمن عبر الرنين الذري، وهي طريقة كانت أكثر دقة في حساب الوقت، اكتشف العلماء أن متوسط طول اليوم الشمسي يختلف بمقدار مللي ثانية إذ تساوي المللي ثانية حوالي 0.001 ثانية عند قياس سرعة دوران الأرض نسبةً إلى الأجسام الفلكية البعيدة.

يمعنى أنهم اكتشفوا أن سرعة دوران الأرض بالنسبة إلى الأجسام الفلكية عامل يؤثر في تحديد الوقت سواء بالزيادة أو النقصان، حتى لو كانت تلك النسبة ضئيلة مثل المللي ثانية فهي بالنسبة إلى العلماء مؤثرة. في تلك الحالة الأخيرة كانت النتيجة تعادل مللي ثانية سالبة تحتاج للنقصان.

إذ جاء يوم 19 يوليو (تموز) 2020 ليصبح أقصر يوم على الإطلاق، عندما أكملت الأرض دورانها في 1.4602 مللي ثانية أقل من 86400 ثانية (هي عدد ثواني اليوم). فلكيًّا تتغير سرعة دوران الأرض بسبب الحركة المعقدة لطبقاتها المنصهرة والمحيطات والغلاف الجوي، إلى جانب التغيرات الأخرى، ومن المتنبأ به أن يكون عام 2021 أقصر؛ إذ يتوقع علماء الفلك وفقًا لحساباتهم أن نشهد أيامًا أقصر هذا العام بحوالي 0.2 مللي ثانية من الـ 86400 ثانية المعتادة. لذا من المتوقع أن يكون عام 2021 هو الأقصر منذ عقود.

وفقًا لتلك الحسابات فإن دوران الأرض يُعد بعيدًا عن مزامنة الإيقاع الثابت للساعات الذرية؛ بمعنى أنها قد تحتاج لتغيير الثواني بالموجب أو السالب من أجل التوافق والمحاذاة بين الزمن الفلكي وزمن الساعات الذرية، وهو ما يدفع العلماء إلى التفكير أنه في ظل هذا التسارع الحالي قد نحتاج للتدخل في مرحلة ما واستخدام «ثانية سلبية» أي محذوفة من الساعات الذرية من أجل مواكبة الأرض المتسارعة. على الرغم من ذلك لا يعد هذا التأثير الطفيف مؤثرًا علينا بوصفنا أفرادًا، فمللي ثانية ليست بالفرق الكبير، فما الذي يجعلنا نشعر إذن بهذا التسارع في مرور الوقت؟

لهذا نشعر أن الوقت يمر بسرعة كلما تقدمنا في العمر

هناك إحساسٌ داخلي قد راود كل منا على الأقل مرة في حياته، وهو أن الزمن يطير، وكلما تقدمنا في العمر نشعر أن مرور الأيام والساعات أصبح أسرع مما اعتدنا عليه في سنٍ أصغر، بعكسِ ما كنا أطفالًا تشعر أن الوقت لا يمر، ونريد أن نكبر بسرعة.

للبعضِ منا تعتبر مثل هذه الأحاسيس مجرد مشاعر إنسانية لا علاقة لها بمرور الوقت الفعلي؛ إلا أن بعض الدراسات الأخيرة قد أثبتت أن الأمر تجربة شائعة سببها أن الزمن نسبي. يختلف باختلاف إدراكنا، والعمر والذاكرة يلعبان أدوارًا رئيسية في ذلك.

عن ذلك يشير عالم الأعصاب سانتوش كيساري، إلى أن إداركنا للوقت يبدأ بطيئًا في سنواتنا الأولى لكنه يتسارع في وقتٍ لاحق من الحياة، ويلعب العمر جزءًا في ذلك، فعندما كنا أطفالًا صغارًا، فإن عامًا واحدًا يمثل لنا نسبيًّا وقتًا طويلًا للوجود، من حيث النسبة المئوية لأعمارنا.

«بالنسبة إلى فتاة في العاشرة من عمرها على سبيل المثال، فإن عامًا واحدًا يمثل 10% من مجمل عمرها، أما لسيدة في الستين؛ نجد أن العام الواحد يمثل نسبة لا تتجاوز 2%». 

إلى جانب ذلك، تلعب الذاكرة الجزء الآخر من تشكيل وعينا بالزمن، إذ نربط الزمن عندما كنا صغارًا بالأشياء الجديدة التي نتعرض لها ونتعرف عليها، والتي تترك في ذاكرتنا انطباعات تدوم مدى حياتنا؛ بعكس ذاكرتنا بعدما نتقدم في العُمر؛ إذ تسجل عددًا أقل من الأشياء الجديدة التي نتعرض لها، وهو ما يجعلنا نشعر أن الطفولة استمرت لفترة أطول.

لكن يبقى العنصر الأكثر أهمية هو عنصر «الإدراك الزمني» الذي يختلف لدينا في الطفولة كليًّا مع التقدم في العُمر؛ وبالنسبة إلى عالمة الأعصاب باتريشا كوستيلو، فإن ذاكرة الأطفال تخضع للتطور على مستوى الدائرة العصبية؛ إذ تنتقل الذكريات عصبيًّا أبطأ في أجساد الأطفال مقارنةً بالبالغين.

الأمر ذاته يشير إليه جيمس إم برودواي، وهو باحث ما بعد الدكتوراة في العلوم النفسية وعلوم الدماغ بجامعة كاليفورنيا، وبريتني ساندوفال الباحثة من الجامعة نفسها؛ إذ تناولوا الأسباب التي تفسر اختلاف الإحساس بالوقت للأشخاص الأكبر عمرًا.

يقدر البشر بحسب الباحثين زمن الحدث من منظورين مختلفين، أولًا المنظور الاستشرافي، يقيس إدراكنا للوقت إبان وقوع الحدث؛ وثانيًا منظور استرجاعي، يقيس إدراكنا للوقت بعد انتهاء الحدث. لهذا يمر الزمن سريعًا عندما نقضي أوقاتًا ممتعة؛ إذ تعمل الأحداث المتلاحقة في حينها إلى تكثيف شعورنا بطيران الوقت؛ في حين أننا حين نتذكر وقتًا ممتعًا في الماضي، نشعر وكأنه استغرق وقتًا أطول، لأننا نستعيده من منظور استرجاعي.

إننا نقيس زمن الأحداث الماضية من خلال عدد الذكريات الجديدة التي تكونت في حينه أثناء وقوع الحدث، وكلما يكون هناك عدد أكبر من الذكريات الجديدة في إحدى الرحلات على سبيل المثال؛ فإننا نشعر بها أطول كلما تذكرناها لاحقًا؛ تلك الظاهرة التي أطلق عليها فيما بعد اسم «مفارقة الإجازة» والتي تتناول اختلاف إدراكنا للزمن في وقت العطلات.

هل عاش الأجداد أكثر من 900 عام؟

في دراسة تناولت الأسباب العلمية وراء أعمار الشخصيات المذكورة في التراث البشري وحتى الديني والميثولوجي، والتي تجاوزت الـ 900 عام (مثل ما جاء في القصص الدينية)، يشير الباحث كين بيجليسين -طبيب في الولايات المتحدة الأمريكية وعالم أحياء شارك في أبحاث الأحماض النووية لأكثر من 40 عامًا- إلى أن هناك افتراضية تعتمد على وجود شكلين مختلفين للزمن؛ أحدهما يمثل الزمن الفلكي والذي يقيس حركة ودوران الأجرام السماوية شبه الدائمة والتي تعد نسبة ثابتة نسبيًّا، والآخر هو الزمن الديناميكي الحراري وهو يختلف بمرور الوقت ووفقًا للأجهزة المستخدمة في قياسه.

لفهم هذا الأمر بشكلٍ أفضل يجب أن نشير إلى القانون الثاني للديناميكا الحرارية، وهو المعني بسهم الزمن، إذ يتناول العمليات التي تتطلب تحويل الطاقة الحرارية أو نقلها، باعتبارها عملية غير عكسية، بمعنى أن سهم الزمن يتدفق في اتجاه واحد غير قابل للعكس، إذ إن أشكال الطاقة الفيزيائية يمكن تحويلها بشكل كامل إلى طاقة حرارية، لكنها عملية غير قابلة للعكس؛ فلا يمكن تحويل الطاقة الحرارية إلى شكل من أشكال الطاقة الفيزيائية مثل الكهربية.

كان هذا يعني أن الزمن يتدفق دائمًا في اتجاه واحد نحو مزيد من الفوضى أو «اللا-نظام»، وبالتالي من الممكن أن تكون هناك تغيرات فيزيائية قد حدثت في زمنٍ سابق دون إمكانية لرصدها، وهو النظام الحراري الذي اعتمد عليه بيجليسين في نظريته القائمة على افتراضية أن يكون المعدل الأساسي لمرور الوقت قد تغير خلال مرحلة ما من التاريخ، وبالتالي فإن التغييرات قد مرت دون أن نلاحظها.

بمعنى أنه إذا تسارعت التفاعلات الكيميائية والعمليات الفيزيائية في الكون فجأة بنسبة 0.01%، قد يمر التغيير دون ملاحظة منا، والحجة هنا أن يكون هناك تفاوت ما بين الزمن الفلكي الثابت والزمن الحراري، بافتراض أن الأخير في حالة تغير مستمر.

للتدليل على ذلك، يشير الباحث إلى تحليل علماء الخلق -مناصري نظرية الخلق- القائل بأن سرعة الضوء تتناقص، بمعنى أن الأجسام الموجودة في محيط الكون كانت تحتاج في بداية الكون إلى وقتٍ أقل بكثير للوصول إلى أعيننا مما تستغرقه الآن.

هذا ما يؤكده الفيزيائي والتر براون الذي أشار إلى أن القيم المقاسة التي تم الحصول عليها لسرعة الضوء تميل إلى الانخفاض تدريجيًّا، وفقًا للإحصائيات التي جمعها لفترات زمنية مختلفة، وهي الانخفاضات التي استمرت حتى عام 1960، عندما جرى تغيير أجهزة قياس الوقت.

في هذا العام، انتقل العالم من أجهزة قياس الوقت الميكانيكية إلى الساعات الذرية، وبالتالي اختلف الزمن حسب نوع الجهاز المستخدم في قياسه. وهو ما جعل الباحث يشير إلى احتمالية أن يتأثر إدراكنا بالزمن حسب نوعية الجهاز المستخدم في حسابه.

الحل المقترح للباحث كان افتراضية أن الزمن يتحرك اليوم أسرع مما كان عليه خلال الأيام الأولى للكون. بالنسبة إليه فإن التغيرات الكونية التي تحدث من منطلق تغيرات الطاقة الحرارية الديناميكية، قد لا تكون سرعتها ثابتة بالضرورة، بل قد تتغير بمرور الوقت، وهو ما يعني أن التغيرات التي حدثت في الأزمان الغابرة قد تكون مرت دون أن نلاحظها.

«تسارع الزمن».. حقيقة أم شعور وهمي؟

عام 2020 كتبت إيريني مالياراكي في 30 مايو (آيار): «تدفق المعلومات في الثلاثة الأيام الماضية فقط كان يشمل أحداثًا ضخمة مثل، اضطرابات اجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية، والقبض على مراسل «Cnn» على الهواء، وتهديدات ترامب بإطلاق النار على الناس، وحظر تويتر لترامب، هذا إلى جانب ارتفاع الوفيات جراء الإصابة بفيروس كورونا حول العالم وسرقة قرود لبعض عينات الدم الخاصة بالفيروس في الهند»، ومن خلال كل تلك الأحداث المكثفة أشارت إلى كون ذلك علامة على تسارع الزمن.

مالياراكي باحثة انضمت حديثًا إلى مركز تصميم الذكاء الجمعي في نستا، وهي مؤسسة ابتكار في المملكة المتحدة؛ حيث يقوم فريقها ببناء أنظمة تجمع ما بين ذكاء الإنسان والذكاء الآلي ودراستها.

بالنسبةِ إليها، يمكننا الشعور بعملية التسريع تلك وتعقيداتها أكثر من أي وقتٍ مضى. فقد اعتدنا أن يكون لدينا منظور خطي للزمان والمكان، وهو المنظور الذي يقوم بحساب المسافة ما بين الشخص المراقب، والحدث (ما لوحظ)، إلا أن العصر الرقمي قد أدى إلى انهيار المسافات المكانية، حتى صرنا ونحن جالسين على أرائكنا تصلنا الأحداث التي تتلاحق بصورة غير مسبوقة.

تلك هي الظاهرة التي تنبأ بها تيرينس ماكينا، عالم النباتات الروحاني، والمؤلف الذي كان مناصرًا فعالًا للاستخدام المسؤول لعقاقير «السايكديليك» مثل الفطر السحري ومخدر «LSD». إذ صرح خلال إحدى المقابلات التلفزيونية في التسعينيات، أن العالم الذي نحيا فيه يشهد عملية تسارع ستصل قريبًا إلى ذروتها.

اعتقد ماكينا أن إدراك البشر للزمن هو الذي يتغير، وهو ما ساهم فيه «العصر التكنولوجي»؛ إذ يقاس الزمن فيزيائيًّا من خلال الحدث الذي يشتبك مع نقطة زمنية ومكانية محددة، ويمثل الحدث الحركة اللازمة لكي نلاحظ مرور الوقت، فالأمر يشبه تتابع الليل والنهار، فلولا تلك الحركة لما لاحظنا انقضاء اليوم مثلًا؛ إذ كان هذا التتابع في الأزمان الغابرة هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة الوقت وقياس اليوم.

«أيهما يمر أسرع، مليون عام خالية من الأحداث، أم 10 ثوانٍ يحدث فيها 50 ألف حدث»؟ *تيرينس ماكينا

في بدايات الكون المبكرة، لم يكن هنالك من أحداث تحدث، وبالتالي بدا الزمن وكأنه يمر ببطء شديد. وما يشير إليه ماكينا بخصوص تسارع الزمن، يقصد به تسارع الوتيرة التي تجري بها الأحداث، إذ مهدت التكنولوجيا الطريق لكي ندرك مرور الزمن بشكلٍ أقوى؛ خاصةً مع تدفق المعلومات الناتج عن الأحداث متلاحقة الحدوث حول العالم.

لماذا نتذكر الماضي لا المستقبل؟ محاولة لفهم «الزمن» وكيف يعمل

هذا الأمر قد أطلق عليه بول فيريليو عام 1997، أحد كبار المفكرين الفرنسيين، اسم «تلوث المسافات الزمنية»، باعتباره نوعًا جديدًا من أنواع التلوث التي نعاني منها، نتيجة تسريع وتيرة الأحداث، مما عمل على ضغط عمق مجالنا، نتيجة لظهور ظاهرة «اللحظية»، التي تعني معادلة سرعة تحرك نقل البيانات مع سرعة الضوء.

 

أي أننا صرنا قادرين على التواصل الفوري في اللحظة ذاتها، مما جعل تدفق البيانات تزداد وتيرته بلا هوادة، ويجعلنا نشعر أكثر بوقع الأشياء وكأن الأحداث تضربنا من كل اتجاه بصورة متلاحقة، والذي يعتبر إحدى النتائج المترتبة على تسريع التحول الرقمي، تقريبًا في كل منحى من مناحي حياتنا بحسب الباحثة إيريني مالياراكي.

«علم الدرومولوجيا».. كيف غيَّر عصر السرعة الزمن؟

تخصص عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي فيريليو في دراسة المسائل الإستراتيجية المتعلقة بالتكنولوجيا الحديثة، خاصةً مسألة السرعة في زمن التواصل الفوري (اللحظية)، هذا الحقل الذي أطلق عليه «علم الدرومولوجيا» والذي يعني تقريبًا «علم السّباق».

 

يهدف هذا العلم لفهم إنسان النصف الثاني من القرن العشرين، إنسان العصر التكنولوجي الجديد، المحموم بحالة السباق ليتنقل أسرع وأسرع، سواء التنقل المادي من مكانٍ إلى آخر أو تنقل البيانات عبر التواصل الفوري، لتصبح مسألة السرعة وما ينتج عنها من تغيير طريقة إدراكنا للعالم مسارًا للتأمل الفلسفي.

تشير تأملات الفيلسوف الفرنسي إلى أن نشوء القطارات السريعة والطائرات، بالإضافة إلى الإنترنت وغير ذلك من التكنولوجيات التي ساهمت في سرعة نقل البيانات والتواصل بين البشر وبعضهم، كل هذا أدى إلى التعريف بالمجال بوصفه فضاءً وزمانًا آخذًا في التآكل. إذ دان فيريليو هيمنة «السرعة» على العالم باعتبارها تدمر اندماجنا مع الفضاء والزمان، نتيجة لما ساهمت به في تقلص العالم الذي لم يعد كبيرًا كما كان في الأزمان السابقة.

الأمر ذاته أشار إليه تيرينس ماكينا بطريقةٍ أخرى في نظريته التي تناولت القفزة الكمية القادمة للطبيعة، «موجة الزمن صفر»؛ فبحسب تلك النظرية فإن الكون هو محرك مصمم لإنتاج الحداثة والحفاظ عليها، بمعنى أنه يتجه دومًا نحو التجديد، وما إن يزداد التجديد، يزداد التعقيد، الذي يعمل على تصعيب اندماجنا مع الفضاء والزمان.

بالتالي بحسب ماكينا، فمع كل مستوى جديد من التعقيد نتحرك نحو مزيد من الحداثة التي تؤدي بدورها إلى مزيد من التعقيد، وكأنها دائرة لا تنتهي حتى نصل إلى نهاية الوقت، نهاية التأريخ؛ والذي لا يعني بالضرورة نهاية فعلية للعالم، بقدر ما يعني نهاية نظرتنا القديمة للعالم والزمن والوقت والتأريخ.

اعتمدت نظرية ماكينا على تأملاته في الفلسفة الطاوية الآسيوية، والتي يجري تمثيل الظواهر المتناقضة فيها من خلال مفهوم «الين واليانج»، والتي تعني بأن كل شيء يحمل داخله النقيضين، لكن يختلف مقدار تأثير كل منهما بمرور الوقت، وهو النمط الذي يحدد طبيعة تدفق الوقت في العالم. لكي يفعل ماكينا ذلك يقول أنه اضطر لتفكيك الزمن، لفهم ماهيته.

(تيرينس ماكينا يشرح نمط تدفق الزمن)

عبر تلك التأملات استطاع ماكينا تناول تلك الفلسفات القديمة من منظور فيزياء الكم، وذلك من خلال طرق التنبؤ بالمستقبل في الحضارة الصينية؛ إذ اكتشف هو وشقيقه دينيس ماكينا نمطًا موجيًّا في أوراق التارووت السداسية والثلاثية (وهي أوراق لعب مخصصة لأغراض العرافة) يمكن من خلاله التنبؤ بالمستقبل من خلال اعتبار الزمن مجموعة من العناصر.

اتبع ماكينا الأسلوب ذاته في رسم تتبع زمني بيانيًا بالتفصيل من خلال برامج كمبيوتر متخصصة في عمل خرائط زمنية، وهو النمط الذي أشار إلى عملية تسارع زمني يشارك فيها البشر ذاتهم من خلال السعي نحو مزيد من السرعة في التنقل والتواصل.

تظهر تلك الخرائط تسارعًا في نمط الوقت ذاته، مما يعني أن المستقبل يحمل داخله «نهاية الوقت»، والتي تعني الوصول إلى حالة من التعقيد اللامتناهي، ولا يقصد ماكينا هنا نهاية للكون ذاته، لكنه يقصد أننا سنضطر إلى التأقلم بوعيٍ جديد مع أسس الزمن الجديدة.

التي تحدث عنها ماكينا سابقًا والتي تشير إلى اختفاء مفهوم الكون الذي نعرفه من خلال تجاوز قوانين الفيزياء، التي بالنسبة إليه تتمثل في خروجنا عقليًّا من مفاهيم الزمان والمكان ثلاثية الأبعاد، وهو ما يمثل أيضًا انتهاء التاريخ، بحسبه.

الجدير بالذكر، أنه بسبب الطريقة غير التقليدية التي اعتمد عليها ماكينا في شرح تسارع الزمن، تعرضت نظريته للكثير من النقد، خاصةً وأنها اعتمدت تاريخ نهاية العالم وفقًا لحضارة المايا، وهو 21 ديسمبر (كانون الأول) 2012، باعتباره زمن نهاية التاريخ الذي نعرفه، على الرغم من أنه أشار أكثر من مرة إلى أن هذا التاريخ قد يحتمل التغيير؛ فإن النتيجة ستكون واحدة، وهي نهاية الزمن الذي نعرفه. فهل يأتي يومًا تصدق فيه نبوءة ماكينا

المصدر: ساسة بوست

مقالات ذات صلة

إغلاق